قال عبد الله بن المبارك: كنت بمكة و قد لحق بالناس قحط و استمر و خرج الناس يستسقون لأجل أن ينزل المطر و اذا بعبد أسود قد أقبل و عليه قطعتا خيش قد اتزر باحداهما و ألقى الأخرى على عاتقه ، فاتخذ موضعا خفيا يكاد يكون بعيدا عن العيون و اقتربت منه دون أن يشعر بى و سمعته يدعو الله أن ينزل الغيث فلم يمض وقت قصير حتى امتلأت السماء بالغمام و نزل المطر، و جلس العبد مكانه يسبح ربه و يشكره، و مشبت وراء العبد حتى عرفت مكانه، و فى اليوم التالى طلبت من سيده أن يبيعه لى ، فباعه لى و كان فيه من الزاهدين و هو يقول لى انه يأكل من كسب يديه فان رزق أكل وان لم يرزق لم يأكل و بات جوعانا، و قال لى الغلمان معه أنه لا ينام بالليل.
فاشتراه عبد الله بن المبارك و تابع حديثه قائلا : فقال لى العبد الأسود: يا مولاى، فقلت له: لبيك. فقال: لا تقل لى لبيك فان العبد أولى أن يلبى مولاه. ثم سألنى: ما الذى حملك على شرائى و قد وجدتنى ضعيفا، فقلت له: اّنست بك حين رأيتك تستسقى فنزل المطر فقلت : أشتريك و أعتقك و أزوجك. فبكى العبد بكاء شديدا ثم طلب منى أن أتركه يصلى، فلما فرغ من صلاته جاءنى يقول لى: يا أبا عبد الرحمن هل تريد منى شيئا؟لأننى سأنصرف الآن فقلت له: الى أين؟ قال: الى الآخرة. فقلت له: لا تفعل، دعنى أهنأ بك و أزوجك. فقال: لن تطيب الحياة لى بعدما كشف السر الذى بينى و بين الله أنا كنت أريد أن أعبد الله فى السر لأن عبادة السر أخلص العبادات. ثم سجد فجعل يقول : الهى كشف السر الذى بينى و بينك فاقبضنى الساعة. قال عبد الله بن المبارك : فاقتربت منه فاذا هو قد مات .